شهد سوق العملات الرقمية عودة قوية ومذهلة خلال الساعات القليلة الماضية، لتطوي صفحة أسبوع عصيب من التراجعات الحادة. فقد ارتفعت القيمة السوقية العالمية بنسبة تقارب 5%، لتستقر عند مستوى 3.58 تريليون دولار، في مؤشر واضح على استعادة ثقة المستثمرين. وتجاوزت عملة بيتكوين (Bitcoin) حاجز 106 آلاف دولار، بينما سجلت عملات رئيسية أخرى مثل إيثريوم (Ethereum)، وسولانا (Solana)، وريبل (Ripple) مكاسب مزدوجة لافتة.
يعود الفضل في هذا الانتعاش السريع جزئيًا إلى إعلان اقتصادي مفاجئ صادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد أعلن ترامب عن خطة لتوزيع “توزيعات جمركية” ضخمة، وهي عبارة عن دفعة نقدية فورية بقيمة 2000 دولار لكل مواطن أمريكي، يتم تمويلها مباشرة من عائدات الرسوم الجمركية.
تُقدر قيمة هذه الحزمة التحفيزية بما يتجاوز 400 مليار دولار، وهو ما أطلق موجة من التفاؤل في الأسواق المالية. وتكمن أهمية هذه الخطوة في توقعات المستثمرين بأن جزءًا كبيرًا من هذه السيولة الجديدة سيتجه نحو أصول المخاطر، وفي مقدمتها الأصول الرقمية.
بالإضافة إلى التحفيز النقدي، تلقى السوق دعمًا قويًا من واشنطن على صعيد الاستقرار السياسي. فقد أشارت الأنباء إلى قرب التوصل لاتفاق بين الحزبين لإنهاء الإغلاق الحكومي واستئناف كافة الأنشطة الحكومية بشكل كامل.
هذا التطور البارز أزال عاملًا رئيسيًا من حالة عدم اليقين التي كانت تخيم على الأجواء، وسيعيد تدفق البيانات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك المتعلقة بالتضخم وسوق العمل، وهو ما يُحسن من شهية المستثمرين تجاه الأصول الرقمية.
تعززت بيئة التفاؤل هذه بعوامل مالية داعمة:
- انخفاض معدل التمويل المضمون لليلة واحدة (SOFR): سجل المعدل أدنى مستوياته منذ سنوات، وهو ما يُعد إشارة تقليدية لزيادة الإقبال على الأصول ذات المخاطر الأعلى كونه يخفض تكلفة الاقتراض.
- عمليات التصفية القسرية (“Short Squeeze”): بعد اختراق بيتكوين لمستوى 106 آلاف دولار، حدثت عمليات تصفية لمراكز بيع قصيرة (Shorts) تجاوزت قيمتها 342 مليون دولار، مما أجبر المتداولين على إغلاق مراكزهم الخاسرة وزيادة الضغط الشرائي.
في سياق متصل، ارتفعت الفائدة المفتوحة (Open Interest) في عقود العملات الرقمية الآجلة بنسبة 5%، لتصل إلى 148 مليار دولار، ما يؤكد عودة السيولة ويعكس ثقة متنامية لدى المتداولين في استمرارية الاتجاه الصاعد.
يُظهر هذا الانتعاش بوضوح الارتباط العميق بين التطورات السياسية والمالية الأمريكية وسلوك المستثمرين في سوق العملات الرقمية. إن التأثير غير المباشر للتيسير المالي الناتج عن “توزيعات ترامب” وتراجع تكاليف التمويل يُعيد تذكير السوق بأن السيولة النقدية لا تزال هي المحرك الأقوى للأصول الرقمية.
هذا النمط، الذي شهدناه في فترات الازدهار السابقة، قد يمهد الطريق لمرحلة جديدة من التقلبات المرتفعة، لكنها تحمل في طياتها تفاؤلًا أكبر على المدى القصير.
اترك تعليقا