في خطوة هي الأولى من نوعها لمؤسسة مصرفية تقليدية، أعلن بنك BNY ميلون – أحد أقدم البنوك الأمريكية – عن إطلاق صندوق احتياطي خاص بالعملات المستقرة، في محاولة جادة لسد الفجوة بين النظام المالي التقليدي والعالم الرقمي الجديد.
يأتي إطلاق الصندوق الذي يحمل اسم “BSRXX” كاستجابة مباشرة للقوانين التنظيمية الجديدة التي أقرها الاحتياطي الفيدرالي، وخاصة لائحة “GENIUS” التي وضعت إطاراً واضحاً لتنظيم العملات المستقرة.
ومن المقرر أن يبدأ الصندوق عملياته اعتباراً من 13 نوفمبر، مفتتحاً فصلاً جديداً في البنية التحتية المالية الرقمية.
ويعمل الصندوق كحلقة وصل تنظيمية بين مصدري العملات المستقرة والجهات الرقابية، حيث لا يحتفظ الصندوق مباشرة بأي عملات مستقرة، بل يوفر منصة مؤسسية آمنة ومُنظمة للمتعاملين في هذا السوق الذين يستوفون الشروط التي وضعها الاحتياطي الفيدرالي.
ويأتي الإطلاق في وقت يشهد نمواً متسارعاً لسوق العملات المستقرة، الذي يتوقع الخبراء أن يصل حجمه إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030. كما تعكس المبادرة اتجاه المؤسسات المالية الكبرى للاستفادة من الوضوح التنظيمي الذي توفره القوانين الحديثة.
ولتعزيز مصداقية المشروع، أبرم البنك شراكة استراتيجية مع “أنكوريدج ديجيتال” – أول بنك مرخص اتحادياً للعملات المشفرة في الولايات المتحدة.
وعلقت ناثا ماكولي، الرئيس التنفيذي للشركة، قائلة: “يمثل هذا التعاون مرحلة جديدة في بناء بنية تحتية موثوقة للعملات المستقرة، تجمع بين الخبرات المصرفية التقليدية والأطر التنظيمية الحديثة”.
يأتي هذا الإطلاق في خضم تحولات كبرى يشهدها قطاع العملات المستقرة، حيث تواصل عملتا “تيثر” و”سيركل” سيطرتهما على السوق بقيمة إجمالية تتجاوز 256 مليار دولار. وقد عززت “تيثر” مؤخراً وجودها في الولايات المتحدة، في إشارة واضحة لاتجاه السوق نحو مزيد من المؤسسية والامتثال التنظيمي.
تشير هذه الخطوة إلى تحول جوهري في استراتيجيات المؤسسات المالية التقليدية، التي بدأت تتبنى حلولاً رقمية متقدمة لمواكبة المتغيرات السريعة في المشهد المالي. ويمثل دخول BNY ميلون هذا المجال إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التكامل بين النظام المالي التقليدي والعالم الرقمي، حيث تصبح العملات المستقرة جزءاً لا يتجزأ من البنية المالية العالمية.
ويبدو أن مستقبل التمويل الرقمي يتجه نحو مزيد من التنظيم والشفافية، مع احتفاظ العملات المستقرة بميزتها الأساسية كجسر بين استقرار العملات التقليدية ومرونة تقنيات البلوك تشين، في مشهد يعيد صياغة مفاهيم السيولة والأمان والامتثال في القرن الحادي والعشرين.
اترك تعليقا