18 ديسمبر، 2025
الاقتصادية العملات الرقمية تكنولوجيا البلوكشين

سوق العملات المستقرة.. نظام تصنيف جديد يعتمد على جودة الاحتياطيات بدلًا من الربط بالدولار

في خطوة هزت عالم الأصول الرقمية، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني العالمية “موديز” عن نيتها إطلاق إطار جديد لتصنيف العملات المستقرة، مُحوّلةً بذلك تركيز التقييم من مجرد الربط بالدولار الأمريكي إلى تحليل دقيق لجودة ونوعية الأصول الداعمة لهذه العملات. يُنظر إلى هذه المبادرة على أنها لحظة مفصلية في مسار تطوير وتنظيم هذا القطاع المالي الصاعد، والذي يجذب أنظار المشرعين والمستثمرين على حد سواء.

وفقًا للاقتراح الذي كشفت عنه “موديز”، لن يكون السؤال المركزي بعد الآن “هل هذه العملة مربوطة بالدولار؟”، بل “ما الذي يدعم هذه الربطة فعليًا؟”. سيركز النظام المقترح على أربعة أرئيسية:

  1. جودة وبنية الاحتياطيات: تحليل أنواع الأصول (سندات حكومية، أوراق تجارية، ودائع نقدية، إلخ) وتنويعها.

  2. مخاطر الاستحقاق والسيولة: قدرة المُصدر على تلبية طلبات الاسترداد في أي وقت.

  3. مخاطر الطرف المقابل: مدى تعرض الاحتياطيات لمخاطر إخفاق الجهات التي تحتفظ بها.

  4. الحماية القانونية: مدى وضوح وفعالية حقوق حاملي العملات المستقرة في حال إفلاس أو تعثر الجهة المُصدرة.

تؤكد “موديز” في وثيقتها أن المبدأ الأساسي لأي إطار تنظيمي ناجح يجب أن يقوم على “الفصل الصارم” بين احتياطيات العملة المستقرة وبين أصول ومطلوبات الكيان المُصدر.

وهذا يعني أن هذه الاحتياطيات يجب أن تكون معزولة تمامًا، ومحمية من أي مطالبات أخرى، وألا تُستخدم في الأنشطة التشغيلية أو المضاربات عالية المخاطر للمُصدر. يهدف هذا التوجه إلى إعادة بناء الثقة التي تآكلت بسبب أزمات سابقة كشفت عن ثغرات في هياكل الاحتياطيات لبعض العملات.

يبدو التوقيت مُحكمًا، فالنظام المقترح يتماشى مع مساعي تنظيمية عالمية، أبرزها مشروع قانون “GENIUS” في الولايات المتحدة الذي يسعى لتأسيس قواعد واضحة للقطاع. وأظهرت “موديز” انفتاحًا على الحوار، حيث فتحت باب التعليقات العامة على مقترحها حتى 26 يناير 2026، داعيةً الجهات التنظيمية والمُصدرين والمستثمرين للمشاركة في صياغة الإطار النهائي.

من السمات الفارقة للنظام الجديد أن التصنيف لن ينصب على العملة المستقرة كمنتج وحيد، بل سيكون تقييمًا مزدوجًا: واحد للالتزام (العملة ذاتها) وآخر للأصول الداعمة (الاحتياطيات).

وبالتالي، قد تحصل عملتان مستقرتان، كلتاهما مقومة بالدولار ومدعومة بنسبة 100%، على تصنيفين مختلفين تمامًا بناءً على عاملين: مستوى المخاطر والسيولة في محفظة الاحتياطيات، والقوة القانونية والهيكلية لحماية حامليها.

ترى “موديز” أن فوائد نظامها تتجاوز الشفافية المالية وحماية المستثمر لتلامس أهدافًا أوسع. فمن خلال تعقب مصادر الأصول وضمان وضوح الهياكل المالية، يمكن أن يساهم هذا الإطار في الجهود الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما قد يرفع من الجاذبية المؤسسية للقطاع.

تُلقي هذه الخطوة بظلالها مباشرة على عمالقة السوق. فشركة “تيثر”، المُصدر الأكبر للعملة المستقرة “USDT”، والتي خضعت احتياطياتها لتدقيق في الماضي، قد تجد نفسها في موقع قوي نسبيًا إذا ثبتت جودة أصولها.

وقد عززت الشركة مؤخرًا من شفافيتها بالإعلان عن امتلاكها ما يقارب 135 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية، وهي أصول تُعتدر عالية الجودة وقد تُحسّن تقييمها وفقًا لمعايير “موديز” الجديدة.

تمثل مبادرة “موديز” محاولة جذرية لنقل سوق العملات المستقرة من مرحلة الاعتماد على “الثقة الضمنية” إلى عصر “التقييم المؤسسي الصارم”.

إذا ما نُفذت، فقد تعيد هذه الخطوة تشكيل خريطة القوى في القطاع، وتحدد الفائزين والخاسرين على أساس قوة الهيكل المالي والقانوني، وليس فقط الحجم السوقي، مما قد يمهد الطريق لفصل جديد من النضج والاستقرار في عالم المدفوعات الرقمية.

 

 

 

اترك تعليقا

  • Quality
  • Price
  • Service

الايجابيات

+
إضافة حقل

سلبيات

+
إضافة حقل
اختيار صورة
اختيار الفيديو